كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذلك من يدرينا أن المجتمع المسلم المتحرك المجاهد سيكون في حاجة إلى تحديد النسل مثلًا؟.. وهكذا..
وإذا كنا لا نملك افتراض أصل حاجات المجتمع حين يكون مسلمًا ولا حجم هذه الحاجات أو شكلها، بسبب اختلاف تركيبه العضوي عن تركيب المجتمع الجاهلي، واختلاف تصوراته ومشاعره وقيمه وموازينه.. فما هذا الضنى في محاولة تحوير وتطوير وتغيير الأحكام المدونة لكي تطابق حاجات هي في ضمير الغيب، شأنها شأن وجود المجتمع المسلم ذاته!
إن نقطة البدء في المتاهة كما قلنا- هي افتراض أن هذه المجتمعات القائمة هي المجتمعات الإسلامية؛ وانه سيجاء بأحكام الفقه الإسلامي من الأوراق لتطبق عليها، وهي بهذا التركيب العضوي ذاته، وبالتصورات والمشاعر والقيم والموازين ذاتها.
كما أن أصل المحنة هو الشعور بأن واقع هذه المجتمعات الجاهلية وتركيبها الحاضر هو الأصل الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه.
وأن يحور ويطور ويغير في أحكامه ليلاحق حاجات هذه المجتمعات ومشكلاتها.. حاجاتها ومشكلاتها المنبثقة أصلًا من مخالفتها للإسلام ومن خروج حياتها جملة من إطاره!
ونحسب أنه قد آن للإسلام أن يستعلي في نفوس دعاته، فلا يجعلوه مجرد خادم للأوضاع الجاهلية، والمجتمعات الجاهلية، والحاجات الجاهلية. وأن يقولوا للناس وللذين يستفتونهم بوجه خاص تعالوا أنتم أولًا إلى الإسلام، وأعلنوا خضوعكم سلفًا لأحكامه.. أو بعبارة أخرى.. تعالوا أنتم أولًا فادخلوا في دين الله، وأعلنوا عبوديتكم لله وحده، واشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الذي لا يقوم الإيمان والإسلام إلا به. وهو إفراد الله بألوهيته في الأرض كإفراده بالألوهية في السماء؛ وتقرير ربوبيته أي حاكميته وسلطانه وحده في حياة الناس بجملتها. وتنحية ربوبية العباد للعباد، بتنحية حاكمية العباد للعباد، وتشريع العباد للعباد.
وحين يستجيب الناس أو الجماعة منهم لهذا القول، فإن المجتمع المسلم يكون قد بدأ أولى خطواته في الوجود. وهذا المجتمع يكون حينئذ هو الوسط الواقعي الحي الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي الحي وينمو، لمواجهة حاجات ذلك المجتمع المستسلم لشريعة الله فعلًا..
فأما قبل قيام هذا المجتمع فالعمل في حقل الفقه والأحكام التنظيمية هو مجرد خداع للنفس، باستنبات البذور في الهواء، ولن ينبت الفقه الإسلامي في الفراغ، كما أنه لن تنبت البذور في الهواء!
إن العمل في الحقل الفكري للفقه الإسلامي عمل مريح! لأنه لا خطر فيه! ولكنه ليس عملًا للإسلام؛ ولا هو من منهج هذا الدين ولا من طبيعه! وخير للذين ينشدون الراحة والسلامة أن يشتغلوا بالأدب وبالفن أو بالتجارة! أما الاشتغال بالفقه الآن على ذلك النحو بوصفه عملًا للإسلام في هذه الفترة فأحسب والله أعلم أنه مضيعة للعمر وللأجر أيضًا!
إن دين الله يأبى أن يكون مجرد مطية ذلول، ومجرد خادم مطيع، لتلبية هذا المجتمع الجاهلي الآبق منه، المتنكر له، الشارد عنه.. الذي يسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في مشكلاته وحاجاته؛ وهو غير خاضع لشريعته وسلطانه..
إن فقه هذا الدين وأحكامه لا تنشأ في فراغ، ولا تعمل في فراغ.. وإن المجتمع المسلم الخاضع لسلطان الله ابتداء هو الذي صنع هذا الفقه وليس الفقه هو الذي صنع ذلك المجتمع.. ولن تنعكس الآية أبدًا.
إن خطوات النشأة الإسلامية ومراحلها هي دائمًا واحدة؛ والانتقال من الجاهلية إلى الإسلام لن يكون يومًا ما سهلًا ولا يسيرًا. ولن يبدأ أبدًا من صياغة الأحكام الفقهية في الفراغ، لتكون معدة جاهزة يوم يقوم المجتمع الإسلامي والنظام الإسلامي. ولن يكون وجود هذه الأحكام المفصلة على الجاهز والناشئة في الفراغ هي نقطة البدء في التحول من الجاهلية إلى الإسلام.
وليس الذي ينقص هذه المجتمعات الجاهلية لكي تتحول إلى الإسلام هو الأحكام الفقهية الجاهزة! وليست الصعوبة في ذلك التحول ناشئة عن قصور أحكام الفقه الإسلامي الحاضرة عن ملاحقة حاجات المجتمعات المتطورة.. إلى آخر ما يخادع به بعضهم، وينخدع به بعضهم الآخر!
كلا! إن الذي يحول دون تحول هذه المجتمعات الجاهلية إلى النظام الإسلامي هو وجود الطواغيت التي تأبى أن تكون الحاكمية لله؛ فتأبى أن تكون الربوبية في حياة البشر والألوهية في الأرض لله وحده. وتخرج بذلك من الإسلام خروجًا كاملًا. يعد الحكم عليه من المعلوم من الدين بالضرورة.. ثم هو بعد ذلك وجود جماهير من البشر تعبد أولئك الطواغيت من دون الله أي تدين لها وتخضع وتتبع فتجعلها بذلك أربابًا متفرقة معبوده مطاعة. وتخرج هذه الجماهير بهذه العبادة من التوحيد إلى الشرك.. فهذا هو أخص مدلولات الشرك في نظر الإسلام..
وبهذا وذلك تقوم الجاهلية نظامًا في الأرض؛ وتعتمد على ركائز من ضلال التصور بقدر ما تعتمد على ركائز من القوة المادية.
وصياغة أحكام الفقه لا تواجه هذه الجاهلية إذن بوسائل مكافئة. إنما الذي يواجهها دعوة إلى الدخول في الإسلام مرة أخرى؛ وحركة تواجه الجاهلية بكل ركائزها؛ ثم يكون ما يكون من شأن كل دعوة للإسلام في وجه الجاهلية. ثم يحكم الله بين من يسلمون لله وبين قومهم بالحق.. وعندئذ فقط يجيء دور أحكام الفقه، التي تنشأ نشأة طبيعية في هذا الوسط الواقعي الحي، وتواجه حاجات الحياة الواقعية المتجددة في هذا المجتمع الوليد، وفق حجم هذه الحاجات يومئذ وشكلها وملابساتها، وهي أمور كلها في ضمير الغيب كما أسلفنا ولا يمكن التكهن بها سلفًا، ولا يمكن الاشتغال بها من اليوم على سبيل الجد المناسب لطبيعة هذا الدين!
إن هذا لا يعني بحال أن الأحكام الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة ليست قائمة الآن فعلًا من الوجهة الشرعية. ولكنه يعني فقط أن المجتمع الذي شرعت هذه الأحكام له، والذي لا تطبق هذه الأحكام إلا فيه بل الذي لا تعيش إلا به ليس قائمًا الآن فعلًا. ومن ثم يصبح وجودها الفعلي معلقًا بقيام ذلك المجتمع.. ويبقى الالتزام بها قائمًا في عنق كل من يسلم من ذلك المجتمع الجاهلي ويتحرك في وجه الجاهلية لإقامة النظام الإسلامي؛ ويتعرض لما يتعرض له من يتحرك بهذا الدين في وجه الجاهلية وطواغيتها المتألهة وجماهيرها الخاضعة للطواغيت الراضية بالشرك في الربوبية..
إن إدراك طبيعة النشأة الإسلامية على هذا النحو الذي لا يتغير، كلما قامت الجاهلية وقامت في وجهها محاولة إسلامية.. هو نقطة البدء في العمل الحقيقي البناء لإعادة هذا الدين إلى الوجود الفعلي، بعد أن انقطع هذا الوجود منذ أن حلت شرائع البشر محل شريعة الله في خلال القرنين الأخيرين، وخلا وجه الأرض من الوجود الحقيقي للإسلام؛ وإن بقيت المآذن والمساجد، والأدعية والشعائر؛ تخدر مشاعر الباقين على الولاء العاطفي الغامض لهذا الدين؛ وتوهمهم أنه لا يزال بخير؛ وهو يمحى من الوجود محوًا!
إن المجتمع المسلم وجد قبل أن توجد الشعائر، وقبل أن توجد المساجد.. وجد من يوم أن قيل للناس: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فعبدوه. ولم تكن عبادتهم له ممثلة في الشعائر، فالشعائر لم تكن بعد قد فرضت. إنما كانت عبادتهم له ممثلة في الدينونة له وحده من ناحية المبدأ فلم تكن بعد قد نزّلت شرائع! وحين أصبح لهؤلاء الذين قرروا الدينونة لله وحده سلطان مادي في الأرض تنزلت الشرائع؛ وحين واجهوا الحاجات الحقيقية لحياتهم هم استنبطت بقية أحكام الفقه، إلى جانب ما ورد بنصه في الكتاب والسنة..
وهذا هو الطريق وحده؛ وليس هنالك طريق آخر..
وليت هنالك طريقًا سهلًا عن طريق تحول الجماهير بجملتها إلى الإسلام منذ أول وهلة في الدعوة باللسان، وببيان أحكام الإسلام! ولكن هذه إنما هي الأمانيّ! فالجماهير لا تتحول أبدًا من الجاهلية وعبادة الطواغيت، إلى الإسلام وعبادة الله وحده إلا عن ذلك الطريق الطويل البطيء الذي سارت فيه دعوة الإسلام في كل مرة.. والذي يبدؤه فرد، ثم تتبعه طليعة، ثم تتحرك هذه الطليعة في وجه الجاهلية لتعاني ما تعاني حتى يحكم الله بينها وبين قومها بالحق ويمكّن لها في الأرض.. ثم.. يدخل الناس في دين الله أفواجًا.. ودين الله هو منهجه وشرعه ونظامه الذي لا يرضى من الناس دينًا غيره: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} ولعل هذا البيان أن يكشف لنا عن حقيقة الحكم في موقف يوسف عليه السلام.
إنه لم يكن يعيش في مجتمع مسلم تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس عند الناس وطلب الإمارة على أساس هذه التزكية. كما أنه كان يرى أن الظروف تمكن له من أن يكون حاكمًا مطاعًا لا خادمًا في وضع جاهلي. وكان الأمر كما توقع فتمكن بسيطرته من الدعوة لدينه ونشره في مصر في أيام حكمه. وقد توارى العزيز وتوارى الملك تمامًا..
ثم نعود بعد هذا الاستطراد إلى صلب القصة وإلى صلب السياق. إن السياق لا يثبت أن الملك وافق. فكأنما يقول: إن الطلب تضمن الموافقة! زيادة في تكريم يوسف، وإظهار مكانته عند الملك. فيكفي أن يقول ليجاب، بل ليكون قوله هو الجواب.. ومن ثم يحذف رد الملك، ويدع القارئ يفهم أنه أصبح في المكان الذي طلبه.
ويؤيد هذا الذي نقوله تعقيب السياق: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين.. ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون}.
فعلى هذا النحو من إظهار براءة يوسف، ومن إعجاب الملك به، ومن الاستجابة له فيما طلب.. على هذا النحو مكنا ليوسف في الأرض، وثبتنا قدميه، وجعلنا له فيها مكانًا ملحوظًا. والأرض هي مصر. أو هي هذه الأرض كلها باعتبار أن مصر يومذاك أعظم ممالكها.
{يتبوأ منها حيث يشاء}..
ينخذ منها المنزل الذي يريد، والمكان الذي يريد، والمكانة التي يريد. في مقابل الجب وما فيه من مخاوف، والسجن وما فيه من قيود.
{نصيب برحمتنا من نشاء}..
فنبدله من العسر يسرًا، ومن الضيق فرجًا. ومن الخوف أمنًا، ومن القيد حرية، ومن الهوان على الناس عزًا ومقامًا عليًا.
{ولا نضيع أجر المحسنين}..
الذين يحسنون الإيمان بالله، والتوكل عليه، والاتجاه إليه، ويحسنون السلوك والعمل والتصرف مع الناس.. هذا في الدنيا..
{ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون}..
فلا ينقص منه المتاع في الدنيا وإن كان خيرًا من متاع الدنيا، متى آمن الإنسان واتقى. فاطمأن بإيمانه إلى ربه، وراقبه بتقواه في سره وجهره.
وهكذا عوض الله يوسف عن المحنة، تلك المكانة في الأرض، وهذه البشرى في الآخرة جزاء وفاقًا على الإيمان والصبر والإحسان.
ودارت عجلة الزمن. وطوى السياق دوراتها بما كان فيها طوال سنوات الرخاء. فلم يذكر كيف كان الخصب، وكيف زرع الناس. وكيف أدار يوسف جهاز الدولة. وكيف نظم ودبر وادخر. كأن هذه كلها أمور مقررة بقوله: {إني حفيظ عليم}.. وكذلك لم يذكر مقدم سني الجدب، وكيف تلقاها الناس، وكيف ضاعت الأرزاق.. لأن هذا كله ملحوظ في رؤيا الملك وتأويلها: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون}..
كذلك لم يبرز السياق الملك ولا أحدًا من رجاله بعد ذلك في السورة كلها. كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقة الرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث، وسلط عليه كل الأضواء. وهذه حقيقة واقعية استخدمها السياق استخدامًا فنيًا كاملًا في الأداء.
أما فعل الجدب فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف، يجيئون من البدو من أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساع دائرة المجاعة، كما ندرك كيف وقفت مصر بتدبير يوسف منها، وكيف صارت محط أنظار جيرانها ومخزن الطعام في المنطقة كلها. وفي الوقت ذاته تمضي قصة يوسف في مجراها الأكبر بين يوسف وإخوته وهي سمة فنية تحقق هدفًا دينيًا في السياق: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون}..
لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وما حولها. فاتجه إخوة يوسف فيمن يتجهون إلى مصر. وقد تسامع الناس بما فيها من فائض الغلة منذ السنوات السمان. وها نحن أولاء نشهدهم يدخلون على يوسف، وهم لا يعلمون. إنه يعرفهم فهم هم لم يتغيروا كثيرًا. أما يوسف فإن خيالهم لا يتصور قط أنه هو ذاك! وأين الغلام العبراني الصغير الذي ألقوه في الجب منذ عشرين عامًا أو تزيد من عزيز مصر شبه المتوج في سنه وزيه وحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه؟
ولم يكشف لهم يوسف عن نفسه. فلابد من دروس يتلقونها: {فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون}..
ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلًا طيبًا، ثم أخذ في إعداد الدرس الأول: {ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم}..
فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسون إليه، واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل، وأن لهم أخًا أصغر من أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجات الرحلة قال لهم: إنه يريد أن يرى أخاهم هذا.
{قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم}..
وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكم نصيبكم حين يجيء معكم؛ ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقى مني الإكرام المعهود: {ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين}.. ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر وبخاصة بعد ذهاب يوسف فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورًا، وإنما في طريقه عقبات من ممانعة أبيهم، وأنهم سيحاولون إقناعه، مع توكيد عزمهم على الرغم من هذه العقبات على إحضاره معهم حين يعودون: {قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون}.. ولفظ: {نراود} يصور الجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه.. أما يوسف فقد أمر غلمانه أن يدسوا البضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطًا من نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي، ومن الجلود والشعر وسواها مما كان يستخدم في التبادل في الأسواق.. أمر غلمانه بدسها في رحالهم والرحل متاع المسافر لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوا بها: {وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون}.. وندع يوسف في مصر. لنشهد يعقوب وبنيه في أرض كنعان. دون كلمة واحدة عن الطريق وما فيه: {فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنّا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل}..